قصّة إسلام حمزة بن عبد المطلب مرّ أبو جهل مرّةً بالرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو واقف على الصفا يدعو الله -عز وجل- ويناجيه، فما كان منه إلا أن يذهب إليه كعادته ويأخذ بسبّه وشتمه بأسوء الشتائم وأقذعها، إلا أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ظلّ صامتاً ولم يُجبه، فازداد أبو جهل اغتراراً بنفسه وأفعاله حتى حمل حجراً وقذف به رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فشجّه وأسال الدم منه، ثمّ عاد أبو جهل إلى نادي قريش ضاحكاً مُتفاخِراً بما صنع برسول الله عليه السلام، وقد رأت إحدى الإماء ما حصل بينهما ثمّ مضت إلى أن رأت حمزة بن عبد المطلب -رضي الله عنه- وهو عائد من الصيد كعادته، ورغم أنّها لم تكن على الإسلام إلا أنّها وبتقدير من الله -عزّ وجل- قصّت ما رأته بين أبي جهل ومحمد -صلى الله عليه وسلم- عليه، وحين سمع ما حصل تحركت في نفسه عواطف المحبة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومشاعر النخوة تجاه المظلوم، فما وجد من نفسه إلا الاندفاع للقيام بأمر غريب.[٣] مع أن حمزة- رضي الله عنه- كان حينها كافراً إلا أنّه اندفع بشكل غريب نحو أبي جهل، الذي كان حينها ما يزال جالساً بين سادة قريش وأشرافها عند المسجد الحرام، وعندما وصل إليه وقف أمامه ورفع قوسه دون تردد أو ارتياب وضربه به على رأسه ضربة قوية، شجّ منها رأسه وسال دمه أيضاً، فكان ذلك قصاصاً لما فعله برسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا أنّه زاد عليه الإهانة الحاصلة له أمام قومه، ومع ذلك فلم يكتفِ حمزة -رضي الله عنه- بهذه الضربة، بل أراد أن يغيط أبا جهل أكثر من ذلك، وعلم أنّه لا يغيظه شيء أكثر من الإسلام، فقال له: (أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول؟).[٣] كان هذا الموقف بالنسبة لحمزة موقفاً غريباً، فقد سمع بالإسلام سنواتٍ طويلةً إلا أنّه لم يدخل به، فكيف لموقف كهذا أن يؤثر به لدرجة أن يدخل في الإسلام، وهكذا عاد إلى بيته وهو في صراع مع نفسه، فهو لم يقتنع بالإسلام فعلاً بعد، وفي الوقت نفسه فقد قال كلمته أمام الناس بأنه قد دخل في الإسلام، ثمّ قرر بفطرته السليمة الالتجاء إلى الله -تعالى- ودعاه بأن يجعل له من أمره خيراً، فدعا الله وقال: (اللهم ما صنعتُ؟ إن كان خيراً فاجعل تصديقه في قلبي، وإلّا فاجعل لي ممّا وقعت فيه مخرجاً)، فألهمه الله -تعالى- أن يذهب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستشيره ويرى رأيه، فأقبل عليه -صلى الله عليه وسلم- وأخذ يدعوه ويعظه ويذكّره ويخوّفه حتى انشرح صدره وآمن برسول الله -عليه الصلاة والسلام- قائلاً له بيقين: (أشهد أنّك الصادق، فأظهر يا ابن أخي دينك، فوالله ما أحب أن لي ما أظلته السماء، وأني على ديني الأول).